فصل: الخبر عن لواتة من البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن لواتة من البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم.

وهو بطن عظيم متسع من بطون البربر البتر ينتسبون إلى لوا الأصغر بن لوا الأكبر بن زحيك ولوا الأصغر هو نفزا وكما قلناه ولوا اسم أبيهم والبربر إذا أرادوا العموم في الجمع زادوا الألف والتاء فصار لوات فلما عربته العرب حملوه على الإفراد وألحقوا به هاء الجمع وذكر ابن حزم أن نسابة البربر يزعمون أن سدراتة ولواتة ومزاتة من القبط وليس ذلك بصحيح.
وابن حزم لم يطلع على كتب علماء البربر في ذلك وفي لواتة بطون كثيرة وفيهم قبائل كثيرة مثل سدراتة بن نيطط بن لوا ومثل عزوزة بن ما صلت بن لوا وعد سابق وأصحابه في بني ماصلت بطونا أخرى غير عزوزة وهم:
أكورة وجرمانة ونقاعة مثل بني زائد بن لوا وأكثر بطونهم مزاتة ونسابة البربر يعدون في مزاتة بطونا كثيرة مثل: ملايان ومرنه ومحيحه ودكمه وحمره ومدونه.
وكان لواتة هؤلاء ظواعن في مواطنهم بنواحي برقة كما ذكر المسعودي وكان لهم في فتنة أبي يزيد آثار.
وكان منهم بجبل أوراس أمة عظمية ظاهروا أبا يزيد مع بني كملان على أمره ولم يزالوا بأوراس لهذا العهد مع من به من قبائل هوراة وكتامة ويدهم العالية عليهم تناهز خيالتهم ألفا وتجاوز رجالاتهم العدة وتستكفي بهم الدولة في جباية من تحت أيديهم بجبل أوراس من القبائل الغارمة فيحسنون الغناء والكفاية.
وكانت البعوث مضروبة عليهم ينفرون بها في معسكر السلطان فلما تقلص ظل الدولة عنهم صار بنو سعادة منهم في أقطاع أولاد محمد من الزواودة فاستعملوهم في مثل ما كانت الدولة تستعملهم فيه فأصاروهم خولا للجباية وعسكرا للاستنفار وأصبحوا من جملة رعاياهم وقد كان بقي جانب منهم لم تستوفه الإقطاعات وهم بنو زنجان وبنو باديس فاستضافهم منصور بن مزني إلى عمله.
فلما استبد مزني عن الدولة واستقلوا بالزاب صاروا يبعدونهم بالجبلية بعض السنين ويعسكرون عليهم لذلك بأفاريق الأعراب وهم لهذا العهد معتصمون بجبلهم لا يجاوزونه إلى البسيط خوفا من عادية الأعراب.
ولبني باديس منهم أتاوات على بلد نقاوس المحيطة في فسيح الجبل بما تغلبوا على ضواحيها فاذا انحدر الأعراب إلى مشاتيهم اقتضوا منها أتاواتهم وخفارتهم وإذا أقبلوا إلى مصايفهم رجع لواتة إلى معاقلهم الممتنعة على الأعراب وكان من لواتة هؤلاء أمة عظيمة بضواحي تاهرت إلى ناحية القبلة وكانوا ظواعن هنالك على وادي ميناس ما بين جبل يعود من جهة الشرق وإلى وارصلف من جهة الغرب يقال إن بعض أمراء القيروان نقلهم معه في غزوة وأنزلهم هنالك وكان كبيرهم أورغ بن علي بن هشام قائدا لعبد الله الشيعي.
ولما انتقض حميد بن مصل صاحب تاهرت على المنصور ثالث خلفاء الشيعة ظاهروه على خلافه وجاوروه في مذاهب ضلاله إلى أن غلبه المنصور وأجاز حميد إلى الأندلس سنة ست وثلاثين ومائة وزحف المنصور يريد لواتة فهربوا أمامه إلى الرمال وهرب عنهم ونزل إلى وادي ميناس ثم انصرف إلى القيروان.
وذكر ابن الرقيق أن المنصور وقف هنالك على أثر من آثار الأقدمين بالقصور التي على الجبال الثلاثة مبنية بالحجر المنحوت يبدو للناظر على البعد كأنها أسنمة قبور ورأى كتابا في حجر فسره له أبو سليمان السردغوس: خالف أهل هذا البلد على الملك فأخرجني إليهم ففتح لي عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به وهكذا ذكر ابن الرقيق وكان بنو وجديجي من قبائل زناتة بمواطنهم من منداس جيرانا للواتة هؤلاء والتخم بينهما وادي ميناس وتاهرت.
وحدثت بينهما فتنة بسبب امرأة أنكحها بنو وجديجي في لواتة فعيروا بالقفر فكتبت بذلك إلى قومها ورئيسهم يومئذ غسان فتذامروا واستمدوا من وراءهم من زناتة فأمدوهم بعلي بن محمد اليفرني.
وزحفت مطماطة من الجانب الآخر في مظاهرتهم وعليهم غزانة أميرهم وزحفوا جميعا إلى لواتة فكانت بينهم وقائع وحروب هلك في بعضها علاق وأزاحو عن الجانب الغربي السرسو وألجؤهم إلى الجبل الذي في قبلة تاهرت المسمى لهذا العهد كركيرة وكان به قوم من مغراوة فغدروا بهم وتظاهروا جميعا عليهم إلى أن أخرجوهم عن آخر مواطنهم في جهة الشرق بجبل يعود فنزلوا من وراء الجبل المسمى لهذا العهد دارك.
وانتشرت عمائرها بتلوله وما وراءه إلى الجبال المطلة على متيجة وهم لهذا العهد في عداد القبائل الغارمة وجبل دارك في أقطاع ولد يعقوب بن موسى مشيخة العطاف من ورغة ولواتة أيضا بطون بالجبل المعروفة بهم قبلة قابس وصفاقس ومنهم بنو مكي رؤساء قابس لهذا العهد ومنهم أيضا بواحات مصر فيما ذكره المسعودي أمة عظيمة بالجيزة التي بينها وبين مصر وكان لما قرب من هذه القصور شيخهم هنالك بدر بن سالم وانتقض على الترك وسرحوا إليه العساكر فاستلحموا كثيرا من قومه وفر إلى ناحية برقة وهو الآن في جوار العرب بها ومن زناتة هؤلاء أحياء بنواحي تادلا قرب مراكش من الغرب الأقصى ولهم هنالك كثرة.
ويزعم كثير من الناس أنهم بنواحي جابر من عرب جشم واختلطوا بهم وصاروا في عدادهم ومنهم أوزاع مفترقون بمصر وقرى الصعيد شاوية وفلاحين ومنهم أيضا بضواحي بجاية قبيلة يعرفون بلواتة ينزلون بسيط تاكرارت من أعمالها ويعتمرونها فدنا لمزارعهم ومسارح لأنعامهم ومشيختهم لهذا العهد في ولد راجح بن صواب منهم وعليهم للسلطان جباية مفروضة وبعث مضروب هؤلاء المعروفون من بطون لواتة ولهم شعوب أخرى كثيرة اندرجوا في البطون وتوزعوا بين القبائل والله وارث الأرض ومن عليها.